
علِّمينا يا تونس درسا جديدا! نصار إبراهيم - مدير مركز المعلومات البديلة فلسطين
- التفاصيل
- كتب بواسطة: Ahmad Taqatqa
- الزيارات: 1145
في 12 شباط (فبراير) 2011 كتبت: "هي لحظة واحدة، لكنها تساوي العمر كله، تلك اللحظة التي اختارها محمد بوعزيزي في غفلة من النظام البائس الذي اعتقد أن بمقدوره أن يصفع ذلك الشاب التونسي متى يشاء وفي ذات الوقت أن يحكم تونس مدى الحياة! تلك الصفعة تردد صداها في كل مدن وأرياف الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، فكان أن أضاء بوعزيزي بجسده ليل تونس وليل العرب الطويل.


مفاعيل ثورة تونس لم تتوقف بتداعياتها ودروسها الفذة على المشهد التونسي الداخلي فقط، كما لم تتوقف على ما أثارته من تعاطف واحتضان شعبي عربي عارم، بما يعكس سلوكا تعويضيا، وفق مقاربات علم النفس الاجتماعي، عن حالة الهبوط وثقافة اليأس التي حاول النظام العربي الرسمي تكريسها عبر عقود من القهر والقمع وثقافة المخابرات، كما لم تتوقف أيضا عند حالة الهلع التي أصابت معظم الأنظمة العربية خوفا من انتقال العدوى التونسية إلى الشارع العربي الغاضب واليائس من بؤس أداء أنظمة الحكم العربية على كل المستويات، السياسية والاجتماعية والثقافية، وبما يتناقض مع أبسط شروط الكرامة، حتى على مستوى المصالح القطرية ولا نقول القومية التي يتم دوسها بكل نذالة ورخص.
ومع ذلك، فإن ثورة تونس تواجه تحديات كبرى وأسئلة حاسمة، والأخطر التدخلات القادمة من وراء البحار أو من وراء الرمال، فلن يتركها أعداؤها تأخذ مساراتها بحرية.
الاستحقاقات الداخلية هي مهمة التونسييين والتونسيات ولا أحد بمقدوره أن يلعب دور الأستاذ معهم، فهم الآن من يحتل مقعد الأستاذ وعلى الجميع الجلوس بأدب واحترام والتعلم من الشباب والشابات، الرجال والنساء، في المدن والأرياف، في النقابات والجامعات وهم يواصلون اقتحامهم المهيب وإصرارهم على ضرورة مواصلة الثورة وعدم السماح باحتوائها أو اختطافها، إنها لحظة قطع تاريخي وسياسي وثقافي بامتياز، وشعب تونس الأبي لها".
بعد عقد من الزمن مرة أخرى ترحل قلوبنا نحو تونس.
نحن الفلسطينيون نعرف تونس منذ بدء التاريخ. نعرفها عبر شبابها الثائر الذي حلق كالنوارس نحو فلسطين. اقتسمنا الدمعة والبسمة والطلقة ولقمة الخبز. واستشهدوا هنا عند خط الواجب.
إذن كيف لا يرتعش قلب الفلسطيني حين ترتبك تونس؟ كيف للفلسطيني أن لا يتوجع حين تكون تونس في حالة مواجهة بين أحلامها ولقمة خبزها وبين قوى شد عكسي لها ألف ارتباط عدا تونس؟
يحاول البعض غواية تونس ومراودتها عن نفسها، عن قلبها وكرامتها. لكي تخون ذاتها، وتتنكر لأبجدياتها لكنها تأبى وتقاوم.
كلنا أمل أن تتجاوز تونس حقل الإلتباس والفوضى والخيارات السياسية والاجتماعية المرتبكة، أن تتجاوز مصائد التدمير الذاتي، وأن تحفظ ذاتها وإنجازاتها وأن لا تتصرف قواها السياسية والشعبية ونخبها الثقافية بما يبدد تضحيات الشعب التونسي، وما حققه من إنجازات، وأن يتصرفوا بحكمة، وأن لا يلقوا في غمرة الاشتباك بالطفل مع ماء الغسيل كما يقال.
كلنا أمل أن تتجاوز تونس اللحظة وأن تحدد بذكاء وثقة خياراتها واستراتيجياتها، دون إقصاء أو اقتتال أو ميوعة وهبوط.
كلنا أمل أن تواصل تونس تجربتها ولا تكسرها في غمرة الانفعال وردود الأفعال وضيق الأفق والحسابات القاصرة والخاطئة.
كلنا أمل أن تحفظ تونس تجربتها الديمقراطية رغم كل ما يقال عنها وفيها، وأن تتجاوز قواها السياسية مستوى قمقم الحزب الضيق وحساباته الذاتية أيا كانت، وان تصعد إلى مستوى المسؤولية الوطنية والقومية والإجتماعية التي تليق بشعب تونس.
كلنا أمل أن تنظر القوى والأحزاب والحركات الشعبية والنخب الثقافية في تونس حولها وتأخذ الدرس من تجربة الانقسام عندنا في فلسطين، ومن تجربة مصر التي تتخبط في ذاتها وخياراتها. أن تأخذ العبرة من سياسات إغراق الشعوب العربية (سورية – العراق – اليمن – ليبيا – السودان..) في التمزيق وتغذية الاقتتال الذاتي والتدخلات الاستعمارية والتطبيع والهيمنة والنهب والتبعية وإعادة إنتاج الجهل والفقر والبطالة والخضوع.
والرهان الأول والعاشر أمام كل هذا يبقى دائما على الشعب التونسي الذي ينهض كعادته الأزلية حين يجوس حدود تونس وروحها مارق أو لص عابر أو سمسار.
لقد عودتنا تونس أنها قادرة على خوض المواجهات الكبرى الواضحة والشجاعة. فشعب تونس لا تناسبه أنصاف المواقف وأنصاف الثورة فهو متمرد وثائر ووفي بالفطرة.
فعلمينا يا تونس – على طريقتك النبيلة - درسا جديدا في الحفاظ على الوطن والفكرة وكرامة الناس وحقوقهم واحترام الذات والتنوع والبقاء الجميل.
لهذا:
"لا تعطني، يا بحر (تونس)، ما لا أستحق من النشيد
نريد أن نحيا قليلاً، لا لشيءٍ
بل لنرحل من جديدْ
ولا تكن يا، بحر، أكثر أو أقلّ من النشيد!"